تمر بنا ونعيشها ولكننا ننساها, وكأنها طيف عابر تركنا وتركناه.
نحن نذكر احزاننا.. وننسى دائما ايامنا السعيدة..
نحن نقف دائما عند اول حادث ينغص علينا حياتنا, ولا نكف عن صب لعناتنا على حظنا العاثر.. نحن نبكي دائما مع همومنا, بينما تمر بنا اللحظات السعيدة التي تملأ نفوسنا وقلوبنا فرحا وبهجة,وكأنها شيء عادي لا يستحق منا وقفة تأمل
غريب هذا الانسان, واغرب منه طبيعته يقول روبرت لويس ستيفنسون''بين الدموع والبهجة شعرت..فالمرء يبكي اليوم ويضحك غدا..أقل شيء يؤلمه,واي شيء يسعده..ولكن هناك ايضا رحلة طويلة كثيرا ما نجد انفسنا مضطرين للقيام بها لكي ننتقل من حال الى حال .. وبعضنا يقف عند بداية الطريق اليها واجفا مترددا, وكانه يرى امامه بحرا متلاطم الامواج..وبعضنا يلقي بنفسه فيه,
لانه يعلم ان لا سبيل للخروج من احزانه والامه الا اذا صارع الموج وغلبه,ثم لانه يجد بينه وبين هذا الماء الغاضب الفة,
ولانه يعرف ان الوقوف على هذه الارض الثابتة تحت قدميه,لن يخرجه من همومه.. ولانه يعرف بعدا هذا ان هناك نهايه لرحلة
عذابه مع البحر الثائر..وانه سوف يصل حتما الى تلك الجزيرة الصغيرة التي تبدو للبعض منا وكانها في كوكب اخر
ولواننا جميعا ذقنا طعم السعادة التي سوف تحتوينا بعدا ان نبلغ جزيرتنا الهادئة, ونلقي باجسامنا التي هدها التعب فوق رمالها الدافئة لالقينا بانفسنا وسط المياه الهائجة ورحنا نسبح ونسبح بقوة وعناد.. فهذه هي نهايه رحلة العذاب وهذه هي الحياة في اروع
صورها..راحة من بعد تعب.. وسعادة من بعد شقاء..وبهجة من بعد حزن''
مجلة العربي عدد206 يناير 1976